هذا الكتاب عبارة عن محاضرة ألقاها الشيخ
بديوانية الدراسات القرآنية بمحافظة الطائف
بتاريخ 17/10/ 1430هـ.
ثم تم تفريغها وعرضها على الشيخ حفظه الله
فروجعت وزيد عليها أمورا مهمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
بدأ الشريط بتلاوة آيات بينات من قوله تعالى: ﴿قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى﴾ إلى قوله تعالى ﴿قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾.
الحمد لله رب العالمين، وأُصلِّي وأُسَلِّم على المبعوثِ رحمةً للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فأحيِّيكم جميعًا بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأرحبُ بكم في ديوانيتكم، ديوانية الدراسات القرآنية بمحافظة الطائف، فأهلًا وسهلًا بكم جميعًا، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
ويسعدنا ويشرفنا أن نستضيف في هذه الليلة المباركة عَلَمًا من أعلام الدراسات القرآنية، تميز ـ حفظه الله ـ بالتحرير والتأصيل والتجديد في مجال الدراسات القرآنية على وجه العموم، وفي التفسير وأصوله على وجه الخصوص، وقد أثرى المكتبةَ القرآنية بمؤلفاتٍ قيمة مُحَرَّرة، فمنها:
- «المُحَرَّرُ في علوم القرآن».
- و«فصول في أصول التفسير».
- و«التفسير اللغوي» (وهي رسالة الدكتوراة).
- و«شرح لمقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية في أصول التفسير».
- و«تفسير جزء عمَّ».
- و«وقوف القرآن وأثره في التفسير» (وهي رسالة ماجستير على وشك الظهور إن شاء الله).
وأنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم، وجُمِعَت له مقالاتٌ قيمة في كتاب:
«مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير».
ومن قرأ في مثل هذه المصنفات علم مقدار ما فتح اللهُ عليه جل وعلا من علم رصين، وتحرير دقيق، وبحث علميٍّ متين، وله العديد من الأشرطة والدورات العلمية والمحاضرات التي ذاع صيتها وانشر بين طلاب العلم نفعُها، كما أن له إسهامات كثيرة إعلامية في عدد من القنوات الفضائية، والإذاعية ومواقع الشبكة العنكبوتية، وفي «ملتقى التفسير» على الشبكة على وجه الخصوص.
ومما عُرف عن الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ البعد عن التقليد، والنقد البناء، وفق الضوابط العلمية، وغزارة الأفكار العلمية والبحثية.
وبعد، فهذا غيض من فيض من سيرة فضيلة ضيفنا الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالرياض، نستضيفه الليلة ليحدثنا عن موضوع بالغ الأهمية، عن:
«المنهجية العلمية بدراسة التفسير»
وهو موضوع للشيخ فيه اهتمام بالغ، من خلال عدد من الدورات التطبيقية للمنهج العلمي لدراسة التفسير، فعن هذا الموضوع، والمراد منه، وأهميته، وفائدته وثمرته يحدثنا فضيلة الشيخ في هذه الليلة.
أهلًا وسهلًا بك أبا عبد الملك، ضيفًا كريمًا، وأخًا عزيزًا، أهلًا ومرحبًا بك بين أحبابك وإخوانك، وندعوكم الآن إلى أن تنثروا علينا من شريف علمكم، وكلُّنا أُذُنٌ صاغية، سدد الله قولكم، ونفع بعلمكم.
بداية كلام الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أحمدُ الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي وفقني لأن أكون مع إخوة نتطارح موضوعاتٍ علمية فيما يتعلق بأشرف كتاب، وهو كتاب الله سبحانه وتعالى.
وقبل أن أبتدئ هذه المطارحة العلمية معكم، أحب أن أثني على هذه الفكرة الرائدة والرائعة في أن يكون للمتخصصين في العلوم الشرعية مجالس وديوانيات يلتقون بها ويتطارحون في هذه الديوانيات شئونهم الخاصة، وكما تعلمون لكل تخصص همومه الخاصة وتحتاج إلى مثل هذه اللقاءات والتجمعات لمطارحة الأفكار.
وكانت هذه الفكرة تراودنا في الرياض، ولكن المبادرة لعملها تأخرت كثيرًا، ففرحت بوجود هذا النموذج لما طرحه الأخ عبد الله ـ حفظه الله ـ في الطائف، وعَمِلنا بعد ذلك في الرياض في مركز التفسير لقاءً شهريًّا لكنه لم يتسم بهذا الطابع الذي ترونه الآن من القضايا العلمية ، فذهب إلى قضايا تنظيرية تتعلق بالتَّنْظِير لمستقبل الدراسات القرآنية، وهو مجال نحتاج إليه، وهذا جانب من التنوع في طرح الموضوعات في شتى المجالات المتعلقة بالدراسات القرآنية.
فأنا أقول: نحن تَبَعٌ لكم في هذا المجال، وأقول بأنكم قد شَحَذْتُم هِمَّتنا لكي نقومَ بمثل هذا العمل في الرِّياض، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعل ما نقوم به في هذه المجالس التي نقوم بها في الرياض، أن يردَّ غنيمتها وخيرها لأخي عبد الله ولمن كان معه ممن فتحوا هذه الديوانية.
أشكره مرة أخرى شكرًا خاصًّا على ما قدَّم، ولعله يعذرني في أن أعترضَ على بضع الأوصافِ التي ذكرها فيَّ، فأنا أقولها ـ ليس من باب التواضع الذي يراد به المدح ـ ولكني أقولها حقيقة أنني في نفسي لم أرَ مثل هذه الأوصاف التي ذكرها، وإن كنت دائمًا أقول أن كلَّ واحدٍ لا يستطيع أن يردَّ عن نفسه المبالغة إذا أراد أن يمدح غيره بما يرى فيه من محاسن ، لكنني أتكلم عن نفسي صادقًا، وأرجو أن تأخذوا هذا عنِّي، أني أعتبر نفسي باحثًا، ولا أشك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد منَّ عليَّ بأن وفَّقَني إلى التقاط بعض النقاط التي غَفَل عنها بعض أهل التخصص، فأبرزتها، فظهر فيها إثارة علمية، وصارت تُتداوَل وتُناقش، هذا أجده ـ ولله الحمد ـ ولكن أرجو أن أصل إلى ما يُذكَر عنِّي، وأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يغفر لي ولكم جميعًا في مثل هذه المقامات التي يقع فيها مثل هذا الثناء، وأنتم تعلمون أن النبي صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم قد أرشدنا إلى أن لا يُثْنَى على الشخص في وجهه، وأنتم تعلمون أن ذلك قد يكون فيه نوع من المزلة لبعض الأقدام، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن ينقذني وإياكم من مثل هذه الأمور.
أيًّا كان الأمر نرجع مرة أخرى إلى ما طرحه أخي عبد الله وطلبه في أن يكون اللقاء عن منهجية تَعَلُّم التفسير، وكيف يمكن أن يُتَعَلَّمَ التفسير.
قد يقول قائل: قبل أن نبتدئَ في هذه المحاضرة، وهو سؤال مهم يُطْرَح كثيرًا، وأنا أحس أن فيه نوع من الحرج، ولكن مَن يشاركني في التخصص يمكن أن يُوَافِقَنِي إلى حد بعيد في أننا حينما درسنا علم التفسير في الجامعات لم نخرج بحصيلة يمكن أن نقول أننا فهمنا أسس التفسير، وأصوله، ومناهجه، وطرائقه، ولكن كان من مِنَّة الله عليَّ أن بدأت أقرأ في تفسير الطبري ـ بالذات ـ بعد أن أخذت بعض أفكار وأصول من كتاب شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ لـ «مقدمة أصول التفسير»، أو من بعض تعليقات ابن القيم، أو تعليقات الشنقيطي، فكنت قررت في فترة ـ كما تعلمون هي فترة مرت علينا جميعًا إبَّان فترة الحرب العراقية على الكويت كانت سنة جاء فيها رمضان في عطلة غير مسبوقة وغير مقصودة لأجل الحرب.
فأخذت معي تفسير الطبري، وبدأت أقرأ في هذا الكتاب، فوجدت أن علم التفسير كلَّه في هذا الكتاب، وأن من أراد أن يتعلم التفسير فعليه أن يقرأ في هذا الكتاب لكي يتخرج به، ويعرف كيفية التعامل مع أقوال المفسرين، وكيفية التعامل مع الآيات، وكيفية الاستنباط، وكيفية الجمع بين الأقوال، هذا شيء لم نجدْهُ لمَّا كنَّا ندرس في الدراسات الجامعية، وأسفت كثيرًا على هذا.
بل مما يجعلني آسف كثيرًا، أنني لما بدأت أتمسك بهذا الكتاب وتقدمت إلى مرحلة الدكتوراه، في جامعة الإمام، سألني أحد مشايخي، وهو من أكثر المشايخ الذين دَرَّسُونا في الدراسات العليا واستفدنا منهم، سألني سؤالًا قال:
إذا أردت أن تُحَضِّر للطلَّاب، فما الكتب التي سترجع لها؟
فقلت له:
أرجع إلى ثلاثة كتب رئيسة: تفسير الطبري، والتحرير والتنوير، ومفردات الراغب الأصفهاني.
فعاب عليَّ رجوعي إلى تفسير الطبري، وقال:
ما الفائدة من تفسير الطبري؛ فتفسير الطبري مجرد آثار، فأنا كنت أظن أنه يستخبر، فقلت: لا، تفسير الطبري فيه آثار، وفيه آراء.
قال: أبدًا، تفسير الطبري أثري، وليس فيه آراء.
فهذه من مثل هذا الشيخ الذي كان يدرسنا في مرحلة البكالوريوس وكذلك في مرحلة الماجستير، أحدثت عندي شيئًا من الألم في أن يكون أحد أساتذتي ممن مضى عليه عمر وهو لا يعرف هذه القيمة الكبيرة لهذا التفسير.
أبتدئ هذه المحاضرة بالتنبيه على أهمية هذا الكتاب بالذات، وأن من عرف طريقة القراءة في هذا الكتاب فإنه سيستفيد فائدة عظيمة في فهم التفسير، وطريقة التعامل مع المفسرين.
أما قضية «المنهجية»، فكما تلاحظون أيضًا أن علم التفسير ليس كبعض العلوم التي وُجِدت فيها متون، ووُجِدت فيها ترتيبات، ففي بعض العلوم يتخرج الطالب بمتن، ثم ينتقل إلى متن آخر، ثم ينتقل إلى متن ثالث، وكتب التفسير ـ كما تلاحظون ـ في مُجْمَلِها تكون بين مُطَوَّلة، ومُتَوَسِّطَة، ويقل كثيرًا أن يوجد هناك مختصرًات، وإذا أردت أن تنظر إلى المختصرات التي جُعِلَت لكي تكون بدايات لمن أراد أن يعرف التفسير، ستجد أول كتاب قصَدَ مؤلفه أن يكون كذلك:
كتاب «الوجيز للواحدي»، ولكن حينما تقرأ في هذا الكتاب وتُمَحِّص النظر فيه ستجد أنه لا يُغْنِي حتى للمبتدئ، لأنه أشبه ما يكون أحيانًا بمعاني الكلمات، وبعض الآيات أحيانًا لا يتعرض لها. فلا يكاد يفيد.
والواحدي توفي في القرن الخامس، واستمر الزمن طويلًا ولا يكاد يوجد كتاب يمكن أن يكون عمدة، ويرجع إليه المتخصصون، وإنما كانت طريقة العلماء:
القراءة في هذه المُطَوَّلات والانتخاب منها، كما سأذكر ـ إن شاء الله ـ بعض التفاسير التي كانوا يعملون عليها بالشرح والتعليق .
لما ظهر كتاب الزمخشري ( ت : 438 ) ـ وأنا أريد أن أذكر هذا التاريخ لأنه يهمنا ـ عُنِي العلماء به من جانبين:
- من جانب البلاغة.
- ومن جانب الاعتزال.
فإما أن يدرسُوه ليبينوا ما فيه من البلاغة أو يضيفوا إليه، وإما أن يدرسوه ليردوا عليه اعتزاليته، وأكثر من قرأ هذا الكتاب هم العلماء الأشاعرة، تصدُّوا لهذا الكتاب، وكانوا يقرءونه قراءة فكٍّ وشرح، وليست قراءة عابرة، بل يتناقشون فيه، ويخرجون بعد ذلك بحواشي وتعليقات عليه.
وهو من الكتب التي قد كثرت عليها الحواشي لهذين السببين اللذين ذكرتهما.
فهو أول كتاب قعَّد للبلاغة القرآنية، أما قبله فتكاد تكون مسائل البلاغة القرآنية منثورة نثرًا لكن هذا الكتاب قصد أن يدرس البلاغة القرآنية، فكان له ـ بسبب هذا الجانب ـ اعتبار عند العلماء في أن بدءوا يقرؤونه ويستفيدون منه، ويفرعون عليه، ويضيفون إليه من هذا الجانب.
الجانب الآخر ـ الجانب الاعتقادي ـ وكانت قراءتهم له في مجال الاعتراض والرد، وكما هو معلوم أن علماء الأشاعرة كثيرًا ما تصدوا لعلماء المعتزلة، فكان هذا الكتاب مجالًا من المجالات التي يكون فيها المناقشة والمناقضة في مجال الاعتقاد.
بعده بسنوات ـ يعني في القرن السابع تقريبًا ـ جاء كتاب البَيْضَاوي، والبيضاوي أصولي، وقد أسس كتابه على طريقةٍ قويةٍ في التَّعْبِير، وفيها نوع من ضَبْطِ العبارة، ووفق الله ـ سبحانه وتعالى ـ لهذا الكتاب أن تتبناه الدولة العثمانية، فعلماء الدولة العثمانية تبنوا هذا الكتاب، وجعلوه منهجًا يُدَرِّسُونه، ولهذا كَثُرَتْ حواشي علماء الأتراك على هذا الكتاب، والسبب هو أنه كان منهجًا عندهم، ولهذا قيل ـ وهذه معلومة أنا أذكرها لست متأكدًا منها لكني سمعتها ـ:
أن هناك رتبة في الأستاذية لا تُعطى إلا لمن يشرح تفسير البيضاوي، وبسبب هذا كثرت عليه الحواشي.
ونحن لو تأملنا هذا الكتاب لوجدناه كتابًا صعبًا لا يمكن أن يقرأه الطالب المبتدئ، ومن أراد أن يعرف صعوبة الكتاب يقرأ في بعض الحواشي بينظر كيف كان العلماء يفكون عبارته .
بعده جاء في القرن العاشر كتاب «الجلالين» جلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي، ومن باب الفائدة:
جلال الدين السيوطي كتب كتابه وهو في العشرين، وأكمل كتاب شيخه جلال الدين المحلي، المحلي كتب سورة الفاتحة، وكتب من سورة الكهف إلى نهاية القرآن، ثم توفي بعد أن بدأ في الفاتحة، فأكمل السيوطي من البقرة إلى أن انتهى إلى رأس سورة الكهف.
هذا الكتاب أيضًا اعتمده علماء الأزهر في مصر، وصار أيضًا منهجًا تَدْرِيسيًّا، فكثرت أيضًا عليه الحواشي، وهذه أحد أسباب كثرة الحواشي على هذا الكتاب.
هذه الكتب الثلاثة لا يمكن أن نعدها متونًا تصلح لطالب العلم المبتدئ، وإنما هي متون يقرأ فيها العلماء، وأن أستغرب من بعض مَن ينصح بعض الطلاب المبتدئين بقراءة مثلًا تفسير الجلالين، هذا التفسير في نظري لا يُناسب طالب العلم المبتدئ وفهمه منه سيكون قليلًا، لأن فيه تَلْغِيزًا في العبارة في بعض القضايا مثل قضية القراءات، وهو كتاب يحتاج إلى فكٍّ وشرح وتعليم.
هذا باختصار نظر سريع جدًّا لبعض الكتب التي عُنِي بها العلماء، أما كتاب الواحدي الذي جعله للمبتدئين لم يحظَ بالقبول على مر السنين، إنما الذي حظي بالقبول عند العلماء وصار يُتَدَارسُ ويُتَدَاولُ هذه الكتب الثلاثة.
أما اليوم فنحن نحتاج إلى ما نغربل ما عندنا من الكتب، والكتب ـ ولله الحمد والمنة ـ كثيرة جدًّا الآن، ولو أردت أن تقسمها لوجدت أنك يمكنك أن تقسمها إلى أقسام كثيرة، والكتاب الواحد يمكن أن تقسمه إلى أكثر من قسم، مرة تجعله في الاتجاه الفقهي، ومرة تجعله في الاتجاه اللغوي، ومرة تجعله في الاتجاه العَقَدِيّ، على حسب ما هو موجود الآن من دراسات المناهج والاتجاهات.
المرحلة الأولى لمرحلة المبتدئين:
وهذه التي يجب أن نُعْنَى بها، وأيضًا أقول لطالب العلم، خصوصًا الذي في المرحلة الجامعية أن ينتبه إلى هذه المرحلة، وأن يُؤسِّس نفسه من خلال هذه المرحلة ويبتدئ بها، وألا يظن أنه تَقَدَّم على هذه المرحلة، وأنه ليس بحاجة لها ؛ لأنَّه إذا تَكَشَّف ما عندَه من العِلم فإنه سيرى أنه ليس عنده شيء، والسبب هو أن طريقتنا في القراءة فيها مشكلات ، منها أنها طريقة قراءة فقط ولا تتسم بالتَّقييد، ولسنا حفَّاظًا مثل من وهبه الله القدرة على الحفظ، لذا نحتاج أن نجعل التقييد في كل مرحلة من مراحل التعلم والقراءة .
والكتاب الذي نريد أن نصفه لهذه المرحلة كما يأتي :
1 ـ أن يكون الكتاب مُستوعِبًا لمسائل التفسير، قدر الطاقة، أي يكون فيه أسباب النزول، وبيان المفردات والمعنى الإجمالي وغيرها .
2 ـ أن يكون سهل العبارة، لا يحتاج إلى فكٍّ.
3 ـ أن يكون مختصرًا، لكي يَقْصُرَ زمنُ قراءته.
فإذا وُجِدَ كتابٌ بهذه المثابة، فأنا أعدُّ أن هذا هو الكتاب الذي يمكن أن يكون متنًا يبتدئ به الطالب.
إن لم يوجد متنٌ بهذه المثابة، أو قال الطالب إن هذا المتن قرأته وانتهيت منه، وأريد ما هو أفضل منه، فيمكن أن ينتقل إلى بعض الكتب المتوسطة التي لا يقع فيها إشكالات كثيرة، ولعلِّي أذكر إن شاء الله بعض هذه الكتب.
طريقة القراءة في الكتاب الذي ذكرته الآن ـ ويمكن أن نذكر بعض الكتب له ـ:
من أهم قواعد القراءة والتي نغفل عنها كثيرًا، هي أنه يجب أن نقرأ الكتاب كاملًا.
هل القراءة الواحدة تكفي، يعني: قراءة التفسير مرة واحدة تكفي؟
أقول: لا، نحتاج إلى قراءة التفسير أكثر من مرة، بحيث أن الطالبَ يَسْتَظْهِرُ ـ ولا أقول يحفظ وإنما يَسْتَظْهِرُ ـ جملة المعاني الموجودة في هذا التفسير، بحيث أنه لو سُئِلَ :
ما معنى هذه الآية؟
يستطيع أنه يعبِّر عن هذا المعنى من خلال ما استظهره من هذا الكتاب, ولا يمكن أن يستظهر هذا إلا معَ مُدَاومة القراءة مرة بعد مرة.
ولو رجعنا إلى سير بعض العلماء، سنجدُ أن هذه الفكرة ـ وهي فكرة إعادة الكتاب أكثر من مرة ـ موجودة عندهم، فيجب أن ننتبه إلى هذه القاعدة، وهي: (أن نقرأ الكتاب كاملًا، وأن نكرر قراءته مرة بعد مرة) لنستوعبَ ما في هذا الكتاب من التفسير.
من الأشياء التي ينتبه إليها المبتدئ خلال القراءة:
ترك الإشكالات ؛ لأن الهدف في هذه المرحلة هو أن يفهم المعنى الإجمالي، وليس أن يفهم جميع ما يتعلق بالآية من مشكلات ومسائل.
وعليه أن يجمع هذه المشكلات والمسائل في دفتره ويسأل عنها متى ما تسنى له ذلك ، لكن لا تكون قاطعة له عن هدفه في إتمام القراءة وإدراك المعنى .
وتحديد الهدف مهمٌّ جدًّا في هذه المرحلة، وهي أنَّا نقول له:
المطلوب منك الآن أن تفهم المعنى الإجمالي، بحيث أنَّا لو قلنا لك:
ما معنى قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول﴾؟
فإنك تعطينا المعنى الإجمالي، لكن حينما نريد أن نحلل لفظة (الأنفال) والأقوال التي قيلت فيها، فإن هذا ليس في المرحلة الأولى التي نطالب الطالب فيها أن يفهم المعنى العام.
من القضايا ـ أيضًا ـ التي يمكن أن ينبه عليها:
أنه قد يقول قائل: أنا لي قراءات أخرى وأستفيد فوائد من كتب التفسير أو غيرها مرتبطة بالآيات، فكيف أتعامل مع هذه الفوائد التي أستفيدها خارج قراءتي لهذا التفسير؟
والجواب: هو تقييد هذه الفوائد في مَحِلِّها من التفسير الذي بين يديك، بمعنى أن هذا التفسيرَ سيكونُ متنًا بالنسبة لك تُضِيفُ إليه الفوائد مرةً بعدَ مرة.
وهذا الأسلوب سأذكر له مثالًا من الأمثلة الموجودة عندنا في السَّاحة، مثل كتاب الجبل (حاشية الجمل على الجلالين) لو تأملنا طريقة الجمل ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه سنجد أنه جعل كتاب الجلالين أصلًا وأضاف إليه فوائد، ولهذا تجدونه يأتي بكلام، ثم يقول: انتهى. شيخنا، انتهى. كذا، فهو يذكر فوائد يعلقها على الجلالين ، ولا يحرص على فكِّ عبارته وشرحها كغيره من شروح الجلالين.
هذه الفكرة ـ وهي فكرة جمع الفوائد في مكان واحد ـ مهمة جدًّا لكن لا تجعلها هي الأصل الآن، وإنما الأصل هو استظهار هذا الكتاب الذي بين يديك، فإذا وقعت على فائدة ما خلال قراءاتك الأخرى، فاجعلها في مكانها من هذا الكتاب الذي بين يديك.
هذا تقريبًا باختصار طريقة القراءة في هذه المرحلة، وكما قلنا أن أهم شيء هو الهدف وهو بيان المعنى الإجمالي .
قراءة و تحميل كتاب القرآنيون العرب وموقفهم من التفسير (دراسة نقدية) PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب التفكر والاعتبار بآيات الكسوف والزلازل والإعصار PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب ظاهرة المجاورة في الدراسات النحوية ومواقعها في القرآن الكريم PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب منهج الإمام القرطبي في تفسير آيات الأحكام في كتابه (( الجامع لأحكام القرآن )) دراسة تحليليّة PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب مختصر البيان في توضيح منهج تفسير أضواء البيان PDF مجانا